الأحرف السبعة ... والقراءات السبعة
1- الأحرف السبعة:
التعريف:
لغة:الحرف في أصل كلامالعرب معناه الطرف والجانب، وحرف السفينة والجبل جانبهما.
اصطلاحاً:الأحرف السبعة: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءاتأنزل عليها القرآن الكريم.
بيان الأحرف السبعة في الحديثالنبوي:
لما كان سبيل معرفة هذا الموضوع هو النقل الثابت الصحيح عن الذيلا ينطق عن الهوى، نقدم ما يوضح المراد من الأحرف السبعة:
عن عمر بن الخطابرضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فكِدت أساوِره في الصلاة ، فتصَّبرت حتى سلّم ، فلَبَّبْتُهُبردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنِيْها رسول الله صلىالله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، أقرانيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لمتُقرئها، فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: " كذلك أنزلت " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقرأ ياعمر "، فقرأت التي أقرأني. فقال:"كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف،فاقرأوا ما تيسر منه ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال: " أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلىسبعة أحرف ".
الأحرف السبعة والقراءاتالسبع.
دلتنا النصوص على أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بهاالقرآن، ونود أن ننبه بأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، التي يظنكثير من عامة الناس أنها الأحرف السبعة. وهو خطأ عظيم ناشىء عن الخلط وعدم التمييزبين الأحرف السبعة والقراءات.
وهذه القراءات السبع إنما عرفت واشتهرت فيالقرن الرابع، على يد الإمام المقرىء ابن مجاهد الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيهقراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعة موافقةلعدد الأحرف، فلو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع، لكان معنى ذلك أن يكون فهمأحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجهاللناس …
وقد كثر تنبيه العلماء في مختلف العصور على التفريق بين القراءاتالسبع والأحرف السبعة، والتحذير من الخلط بينهما.
حقيقةالأحرف السبعة.
ذهب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراءأوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجهإلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ،فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب الأول: مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفيالقراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذينتتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضلعبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع منالاختلاف.
أحدها:اختلاف أوزان الأسماء منالواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْلأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَاتِهِمْ} بالإفراد.
ثانيها:اختلاف تصريف الأفعال وما يسندإليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلموالمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَأَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.
ثالثها:وجوه الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّكَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ بفتح الراء وضمها. وقوله {ذُو الْعَرْشِالْمَجِيدُ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.
رابعها:الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَوَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.
خامسها:التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون} ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}،قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
سادسها: القلبوالإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَنُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء.
سابعها:اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيموإدغام…
فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقةالرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعةالمتنوعة.
المذهب الثاني:أن المراد بالأحرف السبعةلغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.
وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ،فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعضالعرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل فيالقرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن كلهم، وبذلك كان القرآن نازلابلسان قريش والعرب.
فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيانالمراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. غير أنا نرى أن المذهب الثانيأرجح وأقوى.
2-القراءاتالسبع:
تعريف القراءة:
لغة:مصدر لـ: قرأ
واصطلاحا:مذهبيذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاقالروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطقهيئاتها.
هذا التعريف يعرف القراءة من حيث نسبتها للأمام المقرئ كما ذكرنامن قبل، أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلى اللهعليه وسلم.
والمقرئ: هو العالم بالقراءات ، التيرواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلى الله عليهوسلم.
ضابط القراءة المقبولة:
لقد ضبطعلماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي:
كلقراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها،فهي القراءة الصحيحة.
يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:
الشرط الأول:موافقة العربية ولو بوجه:
ومعنى هذا الشرط أنتكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله،فلا يصح مثلا الاعتراض على قراءة حمزة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَبِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء: 1] بجر الأرحام.
الشرطالثاني:موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا:
وذلك أن النطق بالكلمةقد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أوتقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر منوجه.
مثال ذلك: {ملك يوم الدين} رسمت {ملك} بدونألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: (ملك يوم الدين) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقياً،ومن قرأ: {مالك} فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً .
الشرط الثالث:تواتر السند:
وهو أن تعلمالقراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.
أنواع القراءات حسب أسانيدها:
لقد قسمعلماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة أقسام:
الأول: المتواتر: وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذبعن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات (التيسنعددها في المبحث التالي).
الثاني:المشهور: وهوما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولامن الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره.
الثالث:الآحاد: وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لميشتهر الاشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل ما روى على (( رفارف حضروعباقري حسان))، والصواب الذي عليه القراءة: {رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّحِسَانٍ} [الرحمن: 76].
الرابع:الشاذ: وهو ما لميصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية، مثل قراءة : ((مَلَكَ يومَ الدين ))، بصيغةالماضي في ((ملك )) ونصب (( يوم )) مفعولاً.
الخامس:الموضوع: وهو المختلق المكذوب.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءةعلى وجه التفسير.
وهذه الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل القراءة بها، ويعاقبمن قرأ بها على جهة التعبير.
القراءات المتواترة وقُرّاؤها:
من الضروري والطبيعي أنيشتهر في كل عصر جماعة من القراء، في كل طبقة من طبقات الأمة، يتفقون في حفظالقرآن، وإتقان ضبط أدائه والتفرغ لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين، وأتباعهموهكذا …
ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتىصاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم.
فكان بالمدينة:أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ،ثم شيبة بننصاح.ثم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم.
وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن مُحَيْص. وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النَّجود الأسدي، وسليمان الأعمش، ثم حمزة بن حبيب، ثمالكِسائي أبو علي بن حمزة.
وكان بالبصرة:عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثم عاصم الجحدري،ثميعقوب الحضرمي.
وكان بالشام:عبد الله بنعامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارثالذماري، ثم شريح بن زيد الحضرمي.
ثم جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباسالمشهور بابن مجاهد المتوفى سنة ( 324هـ ) فأفرد القراءات السبع المعروفة، فدونهافي كتابه: " القراءات السبعة" فاحتلت مكانتها في التدوين، وأصبح علمها مفرداًيقصدها طلاب القراءات.
وقد بنى اختياره هذا على شروط عالية جداً، فلم يأخذإلا عن الإمام الذي اشتهر بالضبط والأمانة، وطول العمر في ملازمة الإقراء، معالاتفاق على الأخذ منه، والتلقي عنه ، فكان له من ذلك قراءات هؤلاء السبعة، وهم:
1. عبد الله بن كثير الداري المكي، (45-120 هـ).
2. عبد الله بنعامر اليحصبي الشامي (8-18 هـ).
3. عاصم بن أبي النَّجود الأسدي الكوفي،المتوفى سنة (127هـ).
4. أبو عمرو بن العلاء البصري، (70-154 هـ).
5. حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، (8-156 هـ).
6. نافع بن عبد الرحمنبن أبي نعيم المدني، المتوفى سنة (169هـ).
7. أبو الحسن علي بن حمزةالكسائي النحوي الكوفي، المتوفى سنة (189هـ).
وقد علمت من مسرد أئمةالأمصار الإسلامية القراء أن القراءات أكثر من ذلك بكثير، لكن ابن مجاهد جمع هذهالسبع لشروطه التي راعاها . وقد تابع العلماء البحث لتحديد القراءات المتواترة، حتىاستقر الاعتماد العلمي، واشتهر على زيادة ثلاث قراءات أخرى ، أضيفت إلى السبع،فأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشر قراءات ، وهذه القراءات الثلاث هي قراءاتهؤلاء الأئمة:
8. أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، المتوفى سنة (130هـ).
9. يعقوب بن اسحاق الحضرمي الكوفي، المتوفى سنة (205هـ).
10. خلف بن هشام، المتوفى سنة (229 هـ).
هـ - أهمية الأحرف السبعةوالقراءات
إن الأحرف السبعة والقراءات ظاهرة هامة جاء بهاالقرآن الكريم من نواح لغوية وعلمية متعددة، نوجز طائفة منها فيما يلي:
1- زيادة فوائد جديدة في تنزيل القرآن: ذلك أن تعدد التلاوة منقراءة إلى أخرى، ومن حرف لآخر قد تفيد معنى جديداً، مع الإيجاز بكون الآية واحدة.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْوَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَىالْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، قرىء: {وأرجِلَكم} بالنصب عطفاً على المغسولاتالسابقة، فأفاد وجوب غسل القدمين في الوضوء، وقرىء بالجر، فقيل: هو جر علىالمجاورة، وقيل: هو بالجر لإفادة المسح على الخفين، وهو قول جيد.
2- إظهارفضيلة الأمة الإسلامية وقرآنها:
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله، فإنمانزل بلسان واحد، وأنزل كتابنا بألسن سبعة بأيها قرأ القارىء كان تالياً لما أنزلهالله تعالى.
3- الإعجاز وإثبات الوحي:
فالقرآن الكريم كتابهداية يحمل دعوتها إلى العالم، وهو كتاب إعجاز يتحدى ببيانه هذا العالم ، فبرهنبمعجزة بيانه عن حقية دعوته، ونزول القرآن بهذه الأحرف والقراءات تأكيد لهذاالإعجاز، والبرهان على أنه وحي السماء لهداية أهل الأرض من أوجه هذه الدلالة:
إن هذه الأحرف والقراءات العديدة يؤيد بعضها بعضاً من غير تناقض في المعانيوالدلائل، ولا تناف في الأحكام والأوامر، فلا يخفى ما في إنزال القرآن على سبعةأحرف من عظيم البرهان وواضح الدلالة.
إن نظم القرآن المعجز، والبالغ منالدقة غايتها في اختيار مفرداته وتتابع سردها، وجملة وإحكام ترابطها، وتناغمهالموسيقي المعبر يجري عليه كل ما عرفنا من الأوجه السابقة في الأحرف والقراءات ثميبقى حيث هو في سماء الإعجاز، لا يعتل بأفواه قارئيه، ولا يختل بآذان سامعيه، منزهاأن يطرأ على كلامه الضعف أو الركاكة، أو أن يعرض له خلل أو نشاز
1- الأحرف السبعة:
التعريف:
لغة:الحرف في أصل كلامالعرب معناه الطرف والجانب، وحرف السفينة والجبل جانبهما.
اصطلاحاً:الأحرف السبعة: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءاتأنزل عليها القرآن الكريم.
بيان الأحرف السبعة في الحديثالنبوي:
لما كان سبيل معرفة هذا الموضوع هو النقل الثابت الصحيح عن الذيلا ينطق عن الهوى، نقدم ما يوضح المراد من الأحرف السبعة:
عن عمر بن الخطابرضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فكِدت أساوِره في الصلاة ، فتصَّبرت حتى سلّم ، فلَبَّبْتُهُبردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنِيْها رسول الله صلىالله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، أقرانيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لمتُقرئها، فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: " كذلك أنزلت " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقرأ ياعمر "، فقرأت التي أقرأني. فقال:"كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف،فاقرأوا ما تيسر منه ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال: " أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلىسبعة أحرف ".
الأحرف السبعة والقراءاتالسبع.
دلتنا النصوص على أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بهاالقرآن، ونود أن ننبه بأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، التي يظنكثير من عامة الناس أنها الأحرف السبعة. وهو خطأ عظيم ناشىء عن الخلط وعدم التمييزبين الأحرف السبعة والقراءات.
وهذه القراءات السبع إنما عرفت واشتهرت فيالقرن الرابع، على يد الإمام المقرىء ابن مجاهد الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيهقراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعة موافقةلعدد الأحرف، فلو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع، لكان معنى ذلك أن يكون فهمأحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجهاللناس …
وقد كثر تنبيه العلماء في مختلف العصور على التفريق بين القراءاتالسبع والأحرف السبعة، والتحذير من الخلط بينهما.
حقيقةالأحرف السبعة.
ذهب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراءأوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجهإلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ،فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب الأول: مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفيالقراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذينتتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضلعبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع منالاختلاف.
أحدها:اختلاف أوزان الأسماء منالواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْلأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَاتِهِمْ} بالإفراد.
ثانيها:اختلاف تصريف الأفعال وما يسندإليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلموالمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَأَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.
ثالثها:وجوه الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّكَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ بفتح الراء وضمها. وقوله {ذُو الْعَرْشِالْمَجِيدُ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.
رابعها:الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَوَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.
خامسها:التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون} ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}،قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
سادسها: القلبوالإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَنُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء.
سابعها:اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيموإدغام…
فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقةالرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعةالمتنوعة.
المذهب الثاني:أن المراد بالأحرف السبعةلغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.
وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ،فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعضالعرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل فيالقرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن كلهم، وبذلك كان القرآن نازلابلسان قريش والعرب.
فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيانالمراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. غير أنا نرى أن المذهب الثانيأرجح وأقوى.
2-القراءاتالسبع:
تعريف القراءة:
لغة:مصدر لـ: قرأ
واصطلاحا:مذهبيذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاقالروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطقهيئاتها.
هذا التعريف يعرف القراءة من حيث نسبتها للأمام المقرئ كما ذكرنامن قبل، أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلى اللهعليه وسلم.
والمقرئ: هو العالم بالقراءات ، التيرواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلى الله عليهوسلم.
ضابط القراءة المقبولة:
لقد ضبطعلماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي:
كلقراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها،فهي القراءة الصحيحة.
يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:
الشرط الأول:موافقة العربية ولو بوجه:
ومعنى هذا الشرط أنتكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله،فلا يصح مثلا الاعتراض على قراءة حمزة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَبِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء: 1] بجر الأرحام.
الشرطالثاني:موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا:
وذلك أن النطق بالكلمةقد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أوتقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر منوجه.
مثال ذلك: {ملك يوم الدين} رسمت {ملك} بدونألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: (ملك يوم الدين) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقياً،ومن قرأ: {مالك} فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً .
الشرط الثالث:تواتر السند:
وهو أن تعلمالقراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.
أنواع القراءات حسب أسانيدها:
لقد قسمعلماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة أقسام:
الأول: المتواتر: وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذبعن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات (التيسنعددها في المبحث التالي).
الثاني:المشهور: وهوما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولامن الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره.
الثالث:الآحاد: وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لميشتهر الاشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل ما روى على (( رفارف حضروعباقري حسان))، والصواب الذي عليه القراءة: {رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّحِسَانٍ} [الرحمن: 76].
الرابع:الشاذ: وهو ما لميصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية، مثل قراءة : ((مَلَكَ يومَ الدين ))، بصيغةالماضي في ((ملك )) ونصب (( يوم )) مفعولاً.
الخامس:الموضوع: وهو المختلق المكذوب.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءةعلى وجه التفسير.
وهذه الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل القراءة بها، ويعاقبمن قرأ بها على جهة التعبير.
القراءات المتواترة وقُرّاؤها:
من الضروري والطبيعي أنيشتهر في كل عصر جماعة من القراء، في كل طبقة من طبقات الأمة، يتفقون في حفظالقرآن، وإتقان ضبط أدائه والتفرغ لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين، وأتباعهموهكذا …
ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتىصاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم.
فكان بالمدينة:أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ،ثم شيبة بننصاح.ثم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم.
وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن مُحَيْص. وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النَّجود الأسدي، وسليمان الأعمش، ثم حمزة بن حبيب، ثمالكِسائي أبو علي بن حمزة.
وكان بالبصرة:عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثم عاصم الجحدري،ثميعقوب الحضرمي.
وكان بالشام:عبد الله بنعامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارثالذماري، ثم شريح بن زيد الحضرمي.
ثم جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباسالمشهور بابن مجاهد المتوفى سنة ( 324هـ ) فأفرد القراءات السبع المعروفة، فدونهافي كتابه: " القراءات السبعة" فاحتلت مكانتها في التدوين، وأصبح علمها مفرداًيقصدها طلاب القراءات.
وقد بنى اختياره هذا على شروط عالية جداً، فلم يأخذإلا عن الإمام الذي اشتهر بالضبط والأمانة، وطول العمر في ملازمة الإقراء، معالاتفاق على الأخذ منه، والتلقي عنه ، فكان له من ذلك قراءات هؤلاء السبعة، وهم:
1. عبد الله بن كثير الداري المكي، (45-120 هـ).
2. عبد الله بنعامر اليحصبي الشامي (8-18 هـ).
3. عاصم بن أبي النَّجود الأسدي الكوفي،المتوفى سنة (127هـ).
4. أبو عمرو بن العلاء البصري، (70-154 هـ).
5. حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، (8-156 هـ).
6. نافع بن عبد الرحمنبن أبي نعيم المدني، المتوفى سنة (169هـ).
7. أبو الحسن علي بن حمزةالكسائي النحوي الكوفي، المتوفى سنة (189هـ).
وقد علمت من مسرد أئمةالأمصار الإسلامية القراء أن القراءات أكثر من ذلك بكثير، لكن ابن مجاهد جمع هذهالسبع لشروطه التي راعاها . وقد تابع العلماء البحث لتحديد القراءات المتواترة، حتىاستقر الاعتماد العلمي، واشتهر على زيادة ثلاث قراءات أخرى ، أضيفت إلى السبع،فأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشر قراءات ، وهذه القراءات الثلاث هي قراءاتهؤلاء الأئمة:
8. أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، المتوفى سنة (130هـ).
9. يعقوب بن اسحاق الحضرمي الكوفي، المتوفى سنة (205هـ).
10. خلف بن هشام، المتوفى سنة (229 هـ).
هـ - أهمية الأحرف السبعةوالقراءات
إن الأحرف السبعة والقراءات ظاهرة هامة جاء بهاالقرآن الكريم من نواح لغوية وعلمية متعددة، نوجز طائفة منها فيما يلي:
1- زيادة فوائد جديدة في تنزيل القرآن: ذلك أن تعدد التلاوة منقراءة إلى أخرى، ومن حرف لآخر قد تفيد معنى جديداً، مع الإيجاز بكون الآية واحدة.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْوَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَىالْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، قرىء: {وأرجِلَكم} بالنصب عطفاً على المغسولاتالسابقة، فأفاد وجوب غسل القدمين في الوضوء، وقرىء بالجر، فقيل: هو جر علىالمجاورة، وقيل: هو بالجر لإفادة المسح على الخفين، وهو قول جيد.
2- إظهارفضيلة الأمة الإسلامية وقرآنها:
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله، فإنمانزل بلسان واحد، وأنزل كتابنا بألسن سبعة بأيها قرأ القارىء كان تالياً لما أنزلهالله تعالى.
3- الإعجاز وإثبات الوحي:
فالقرآن الكريم كتابهداية يحمل دعوتها إلى العالم، وهو كتاب إعجاز يتحدى ببيانه هذا العالم ، فبرهنبمعجزة بيانه عن حقية دعوته، ونزول القرآن بهذه الأحرف والقراءات تأكيد لهذاالإعجاز، والبرهان على أنه وحي السماء لهداية أهل الأرض من أوجه هذه الدلالة:
إن هذه الأحرف والقراءات العديدة يؤيد بعضها بعضاً من غير تناقض في المعانيوالدلائل، ولا تناف في الأحكام والأوامر، فلا يخفى ما في إنزال القرآن على سبعةأحرف من عظيم البرهان وواضح الدلالة.
إن نظم القرآن المعجز، والبالغ منالدقة غايتها في اختيار مفرداته وتتابع سردها، وجملة وإحكام ترابطها، وتناغمهالموسيقي المعبر يجري عليه كل ما عرفنا من الأوجه السابقة في الأحرف والقراءات ثميبقى حيث هو في سماء الإعجاز، لا يعتل بأفواه قارئيه، ولا يختل بآذان سامعيه، منزهاأن يطرأ على كلامه الضعف أو الركاكة، أو أن يعرض له خلل أو نشاز